الرياضة والسياسة..وجهان لعملة واحدة

  • تاريخ النشر: الإثنين، 01 أغسطس 2022 آخر تحديث: الثلاثاء، 16 أغسطس 2022
الرياضة والسياسة..وجهان لعملة واحدة

ظهّرت الحرب الروسية-الأوكرانية كثيراً من القضايا التي تغيّب عن الرأي العام العالمي، أو لا نلاحظها إلا في حال ربطها بحدث ذي وقعٍ ضخم على صعيد دول العالم. أبرز هذه القضايا تتعلّق بمدى ارتباط الرياضة بالسياسة، إذ تتزامن الحرب اليوم مع تعاطف رياضي واسع مع أوكرانيا، طال معظم الملاعب والمسابقات الدولية والمحلية. فهل السياسة والرياضة مرتبطتان إلى هذا الحد؟ أم أنّ الرياضة هي فعلاً تسمو فوق الخلافات وتعزّز الرّوابط بين البلدان، كما يسوّق لها؟

انتفاضة العالم الرياضي تعاطفاً مع أوكرانيا خلقت جدلاً وانتقادات واسعة لقوانين الكيانات الرياضية الكبرى في العالم، كالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي قرّر منع المنتخبات والأندية الروسية من المشاركة في أي مسابقات دولية. هذه الانتقادات لخّصها موقف الأزهر الشريف تعقيباً على قرارة "فيفا" حين سأل باستنكار: "هل تعرفون فلسطين؟" ليعقّب: "الإنسانية لا تتجزّأ".

الإنسانية المجزّأة التي تحدّث عنها الأزهر ظهرت حين عوقب لاعب نادي إشبيلية، الفرنسي فريدريك عمر كانوتيه العام 2008 بعدما كتب على قميصه "فلسطين..." الأمر الذي تكرّر في العام نفسه بإنذار من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم للاعب المنتخب المصري محمد أبو تريكة، بعدما رفع قميصه ليظهر تحته قميص آخر كتب عليه "تعاطفاً مع غزة" باللغتين العربية والإنكليزية .

يؤكد الإعلامي والمحلل الرياضي الدكتور أنور كوثراني للبلد أونلاين وجود انشقاق وانقسام غير معلن بين اتحادات كرة القدم الشمالية والجنوبية مضيفاً أن "الاتحاد الدولي لكرة القدم خرق بقراراته تجاه الاتحاد الروسي القانون الرقم 3 المتعلّق بحقوق الإنسان، إذ إن الاتحاد الروسي، مثله مثل باقي الاتحادات في العالم، يطبّق القرارات الصادرة عن "فيفا" بكل دقّة وبالتالي القرارات المتخذة بحقّه سياسية بحتة تعاقب الشعب ".

وفي ردّه على التغني الدائم بحقوق الإنسان من قبل الاتحادات الدولية وربطها بالقرارات التي تصدر عنها أشار كوثراني إلى أنه "في العام 2010 وبعد شهرين من اتخاذ قرار إقامة كأس العالم 2018 في روسيا دخلت القوات العسكرية الروسية إلى جورجيا، ثم دخلت إلى شبه جزيرة القرم العام 2014، وفي المرّتين خيّم الصمت على تلك الاتحادات، بل أكثر من ذلك، وفي العام 2018 ومع انطلاق مسابقة كأس العالم في روسيا اعتبر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو شريك في بناء وتقدّم كرة القدم عالمياً".  من هنا يتساءل كوثراني: "أين كانت حقوق الإنسان في تلك الفترة؟؟".

أمثلة كثيرة حصلت عبر التاريخ تؤكّد أنّ الرياضة والسياسة لطالما ارتبطتا، فالعالم لا ينسى مثلاً كيف تمّ اعتقال بطل العالم في الملاكمة لعام 1967 محمد علي، بعد رفضه التجنيد في الجيش الأميركي للمشاركة في حرب فيتنام، انطلاقاً من رفضه كمسلم لهذه الحرب. وفي العام 2019 أثار احتفال لاعبي المنتخب التركي ضجّة واسعة في أروقة الرياضة العالمية، بعدما قاموا بأداء التحية العسكرية تزامناً مع خوض الجيش التركي عمليات عسكرية واسعة في شمال سوريا .

تعليقاً على ظاهرة الجلوس على الركبة من قبل لاعبي كرة القدم قبل بدء المباراة تضامناً مع أصحاب البشرة السوداء في الغرب، نشرت صحيفة "غارديان" مقالاً بعنوان "يجب أن تنفصل الرياضة عن السياسة لكن يجب أن نعرف أنه لا يمكن فصلهما" وذلك رداً على انتقاد بعض السياسيين البريطانيين لهذه الحركة، مع العلم أن هؤلاء أنفسهم رحّبوا بالعقوبات على روسيا. ويذكر المقال أنّ "معظم الرياضات لم تنشأ لأهداف سياسية واقتصادية بل نشأت لأهداف اجتماعية ولربط المجتمعات ببعضها البعض".

من هنا، فإنّ الرياضة اليوم باتت إحدى الأدوات السياسية بأيدي الأنظمة المتقدمة، نظراً لتأثيرها على مزاج الشعوب العام بشكل مباشر، بالإضافة إلى جعلها أداة اقتصادية من خلال الدور السياحي الذي تلعبه. وبالتالي فإنّ غالبية القوانين التي شرّعت بهدف تحييد الرياضة عن السياسة يجب تعديلها اليوم، لأنّ التجارب أثبتت أنّهما وجهان لعملة واحدة.

ريان زيتوني