بحر الصين الجنوبي ... قد يغرق العالم

  • ريان زيتونيبواسطة: ريان زيتوني تاريخ النشر: الخميس، 18 أغسطس 2022 آخر تحديث: الجمعة، 19 أغسطس 2022
بحر الصين الجنوبي ... قد يغرق العالم

بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في شباط الماضي، كثرت الأحاديث والتحليلات حول إمكانية حدوث حرب عالمية ثالثة بين دول حلف شمال الأطلسي وعلى رأسها الولايات المتحدة من جهة والصين وحليفتها روسيا من جهة أخرى، هذا الصراع الذي قد يغيّر في موازين بنية النظام العالمي التي أرسيت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لديه الكثير من البؤر المهيَّأة لإشعاله اليوم أبرزها، بحر الصين الجنوبي.

يقع بحر الصين الجنوبي في منطقتين مهمّتين عالمياً فهو يمتد بين شرق المحيط الهادي وغرب المحيط الهندي، ويعتبر شرياناً حيوياً للتجارة العالمية حيث يمرّ عبره حوالي نصف السفن والبواخر التجارية العالمية، إذ تبلغ القيمة السنوية لأعماله التجارية حوالي 5 تريليونات دولار، لهذا، تتنازعُ الأطماعَ بشأنِه دولٌ عديدة في تلك المنطقة، أبرزها الصين، وكذلك الفيليبين ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية نظراً للاتفاقيات العسكرية المبرمة بين الطرفين بالإضافة إلى وجود 5 قواعد عسكرية أميركية فيها.

قبل أشهر قليلة، اتهمت الفيليبين الصين باقتراب سفنها أمتاراً قليلة من دورية فيليبينية في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه وأعلن خفر السواحل الفيليبيني في بيان أنّ هذا العمل يشكّل خرقاً للقواعد الدولية وقد يؤدي إلى حادث دولي أكبر وأخطر.

كانت هذه المرّة الرابعة خلال عام واحد، يجري فيها الحديث عن توتّر مماثل في تلك المنطقة القريبة من جزيرة "سكاربورو"، وهي منطقة شعاب مرجانية انتزعتها الصين من الفيليبين في العام 2012 ولديها أهمية خاصة بالنسبة لبكين، إذ يؤكّد القاضي السابق في المحكمة العليا الفيليبينية أنطونيو كاربيو، أن "سكاربورو" هي الحجر الأخير لاستكمال قواعد الصين البحرية والجوية في تلك المنطقة. هذا الخلاف بين الجانبين قد يؤدي إلى حرب شاملة، ففي شهر نيسان من العام 2012 وقعت مواجهة بحرية بين سفن صينية وأخرى فيليبينية كادت تتوسع، لكن عاد بعدها الطرفان إلى التهدئة.

في العام 2015 بدأت الصين بناء جزر واستصلاح أراض في بحرها الجنوبي، وتحدّثت تقارير غربية عن أنّ بكين نصبت راداراً بعيد المدى وأنظمة صواريخ متقدمة، كذلك خصّصت مساحة كبيرة من البر كمهبط لطائرتها في غرب منطقة "الشعب المرجانية" المتنازع عليها. في ذلك الحين عبّر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، عن قلق الولايات المتحدة من الأعمال الصينية بالقول "إننا قلقون من محاولة الصين بسط قوتها واستعراض عضلاتها لإجبار بعض الدول على الاستسلام أو الخضوع لمشيئتها في منطقة بحر الصين الجنوبي". العام الماضي أجمعت الولايات المتحدة الأميركية، اليابان، أستراليا والهند على المعارضة القوية لمحاولة الصين استعمال القوة في تغيير الوضع الراهن في بحر الصين الشرقي والجنوبي، وذلك ضمن مؤتمر أُجرِيَ عبر الأقمار الاصطناعية. الأخطر من هذا يكمن في التحالف المتعلّق بتلك المنطقة التي أقامته واشنطن أخيراً بينها وبين كل من أستراليا وبريطانيا.

هذا القلق المتصاعد لدى الولايات المتحدة تجلّى بوضوح بعد توغّل القوات الروسية أكثر في أوكرانيا حيث سارع قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الأدميرال جون ساي أكويلينو إلى اتهام الصين بعسكرة ثلاث جزر على الأقل من عدة جزر شيّدتها في بحر الصين الجنوبي. وأشار في حديث مع وكالة "أسوشييتد برس" إلى أن الصين سَلَّحَت هذه الجزر بأنظمة صواريخ مضادة للسفن والطائرات، ومعدات ليزر وتشويش وطائرات مقاتلة في خطوة عدوانية تُهدِّد جميع الدول العاملة في الجوار. بالتزامن مع هذا التصريح كانت كل من الفيليبين والولايات المتحدة تقومان بأكبر مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي. من جهة أخرى وقبل أسابيع عِدَّة اتهمت الصين على لسان المتحدث باسم وزارة دفاعها الولايات المتحدة بأنها تُعَسكِر ذلك البحر. وقال المتحدث إن الصين تتمتع بسيادة لا جدال فيها على جزر بحر الصين الجنوبي وأنَّ نشرها لمرافق دفاعية هو حق مشروع لها مع مراعاة الامتثال الكامل للقانون الدولي، مضيفاً أنَّ بلاده أثبتت الحقائق حول التحريض الأميركي على "عسكرة بحرنا الجنوبي" الأمر الذي يُعَدُّ تهديداً للسلام والاستقرار الإقليميين.

انطلاقاً ممّا تقدّم، فإن خطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا، قد تنسحب على مناطق أخرى تبدو متربعة على براميل بارود كبحر الصين، فهناك صعوبة في أن يبقى الوضع هادئاً بعد كل التراكمات التي نشهدها بدءاً من الانسحاب الأطلسي من أفغانستان مروراً برفع التحدي الروسي في أوكرانيا وصولاً إلى رغبة الصين في استعادة المناطق التي تعتبرها ملكاً لها، عدا عن تجهيزاتها الدفاعية والاقتصادية التي اختصرتها صحيفة الشعب الصينية تعليقاً على التطورات في بحر الصين قائلةً إنّ الصين اليوم لم تعد صين ما قبل مئة عام والعالم اليوم لم يعد ذلك العالم الذي كان قبل قرن أي حين استُعمِرَت الصين نفسها. في الواقع الصين اليوم أصبحت هي الهاجس الأكبر لواشنطن وحلفائها رغم خطورة ما يحصل على الجبهة الروسية-الأوكرانية.